إن تنقُّل الشعراء وترحالهم، والتأثّر بثقافة كل بلدٍ؛ يولد في النفس معانٍ مختلفة عن الفن والتعبير عنه، فكان أغلب شعراء الشعر الحديث هم أولئك المهاجرون إلى بلاد الغرب، الذين حاولوا التأثر بالثقافة الغربية وتقليد أساليبهم الشعرية، فتميز الشعر الحديث بالغوص في الخيال، والكلمات البلاغية الواضحة، وكان ما يميّز أمل دنقل هو إجباره للتاريخ الشعري والأدبي على عدم تجاهله، أو نسيان شعره، ذاك الذي كان مصدر الحرية المُتأثّر بأحلام العروبة والثورة المصرية.
حياته
وُلد الشاعر أمل دنقل بمحافظة قنا في صعيد مصر عام 1940م، لأسرة مصرية صعيدية، ووالدٍ من علماء الأزهر الشريف، حيث حصل على إجازة العالمية في نفس السنة التي ولد فيها ابنه؛ فكانت السبب وراء تسميته بهذا الاسم "أمل" بسبب ما حقّقه والده من أملٍ بتلك الإجازة.
على الرغم من قصر المدة التي لحق فيها الشاعر والده، فقد توفي عنه والده وهو في العاشرة من عمره؛ إلا أنه كان متأثرًا به، وكانت موهبته الشعرية مأخوذة عنه، فقد نشأ في بيئة أدبية، وعلى كتب الفقه والتفسير التي كانت في مكتبته الكبيرة والتي حوت أيضًا العديد من كتب التراث العربي.
بداياته الشعرية
بعد أن انتهى الشاعر أمل دنقل من دراسته في الثانوية؛ انتقل إلى القاهرة للدراسة في كلية الآداب، ولكنه انشغل بالعمل عن الدراسة، فتنقل في أماكن مختلفة مثل محكمة قنا، جمارك السويس والإسكندرية، ومنظمة التضامن الأفروآسيوي، وسرعان ما جذبته كتابة الشعر والأعمال الأدبية عن كل ما سواهما.
الحزن في أشعاره
تسببت الكثير من الأحداث التي مر بها الشاعر أمل دنقل في إضافة طابع الحزن والألم في أشعاره، فقد تأثر تأثرًا شديدًا بوفاة والده وظهر ذلك في كلماته وأشعاره المختلفة، وكان انتقاله إلى القاهرة صدمة كبيرة له، وظهر تأثره بذلك أيضًا في أشعاره.
وبسبب ُمعاصرة الشاعر أمل دنقل للثورة المصرية، فقد تأثرت كلماته بعروبته القوية، وأثّرت أحداث الثورة في شخصيته وشذب نفسيته.
أهم أعماله الشعرية
بسبب ما شهدته مصر في عام 1967 م من انكسار؛ عبَر الشاعر أمل دنقل على إثرها عن كسرته وتأثره، في قصيدته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" فكانت عنوان الديوان الأول له، والذي عبر فيه عن رفضه للهزيمة، ويقول فيها:
لا الليلُ يُخفي عورتي .. كلا ولا الجدران
ولا اختبائي في الصحيفة التي أشُدّها
ولا احتمائي في سحائب الدخان
كان الشاعر أمل دنقل ممن صرخوا ضد معاهدة السلام، فكانت رائعته التي لا تزال تُردّد كل يوم حتى وقتنا الحالي "لا تصالح"، والتي يقول فيها:
لا تصالحْ .. ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيكثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟هي أشياء لا تشترى
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،حسُّكما فجأةً بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق حين تعانقُهُ،الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما وكأنكما
ما تزالان طفلينتلك الطمأنينة الأبدية بينكما
أنَّ سيفانِ سيفَكَصوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّللبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
وفاته
رحل الشاعر أمل دنقل عن عالمنا في عام 1983 م، بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وترك لنا بعد وفاته قصيدته "أوراق الغرفة 8" والتي تضم كل ما مر به في مرضه ومعاناته في آخر أيامه.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقاتك