قوة الإبداع كيف يؤثر الفن على حياتنا؟

 يقف الفن في طليعة التطوّر المجتمعي متجاوزًا النظرة الجمالية إلى دور معقّدٍ أكثر إنسانيةً وأهميّة يشكّل جوهر وجودنا وهويتنا. 

كي نتعرّف أكثر عن هذا الموضوع دعونا نستكشف معًا كيف يؤثّر الفن على حياتنا؟

ما هو الفن؟

الفن هو: أي إبداعٍ أو تعبير فكري، أو نشاطٍ بشريٍ يهدف إلى التعبير عن فكرةٍٍ معينة، أو إضفاء المعنى على الأشياء في قالبٍ جمالي يبعث الراحة والسرور في النفس.

أما الفيلسوف الألماني "نيتشه" فاعتبر أن الفن ليس فقط نتاج فنان؛ بل هو الحياة والواقع كما هو أي صورة للواقع، والذات الإنسانية بما يعتمل فيها من أفكار وما يشوبها من غرائز.

ويقسم الفن إلى:

الفنون البصرية(كالرسم، والنحت، والعمارة، والجرافيك )

الفنون السمعية(موسيقى، غناء)

الفنون الأدائية(مسرح، رقص، سينما)

الفنون الرقمية(وهي نوع حديث من الفنون يتم فيها دمج التكنولوجيا لإنتاج أعمال فنية مبهرة)

الفن تاريخيًا

الرسومات على جدران الكهوف كانت أولى أشكال الفن

 إن الفن قديمٌ قِدم الإنسان بدأ مع الرسم على جدران الكهوف والمغاور، وتوثيق الحكايات، والأساطير لقصص أسلافنا ومعتقداتهم وآرائهم. ليس بوصفها نتاجًا فنيًّا بالمعنى المعاصر، بل كونها خلاصة تجربةٍ فكريةٍ وشعورية رَغِبَت أن تُعرف وتُشارَك مع الآخر. وليس الفنّ حالة ترفٍ تعبّر عن واقع اجتماعي، أو اقتصاي معيّن جاء بعد قيام الحضارة؛ بل بدء قبلها واستمر يعكس التغيرات المجتمعية، والثورات الثقافية وجسّد التاريخ في كل عصر.

كيف يؤثر الفن على حياتنا؟

فنون الحياة بمختلف أشكالها قيمة جمالية وقوة تغيير اجتماعي حقيقية 

الإبداع الفني بمختلف أشكاله رسالةٌ عابرة للثقافات والحدود. إنه دعوة للألفة، والانسجام بين مكونات النفس، ورؤية الواقع من منظور إبداعي. وبذلك يكون الفن ضروريًا لإيجاد المعنى المتمثل بالحقيقة، وخلق التوازن بين الإنسان والعالم وليس نوعًا من الكماليات.

حيث يقول الكاتب "عباس محمود العقاد": إن الضرورات توكلنا بالأدنى من مراتب الحياة، أما الذي يرفعنا إلى الأوج من طبقات الإنسان فهو الفنون.

ويشمل تأثير الفنون مختلف جوانب الحياة:

1.الفن كسلاح

أصبح الناس مؤخرًا أكثر وعيًا بالفن كسلاحٍ للدفاع عن قضاياهم السياسية والاجتماعية، وتعزيز القيم العالمبة وحقوق الإنسان. عن طريق تقديم سرديّة مختلفةٍ للأحداث. فالموسيقا والرسم، والغناء قد تكون أعلى صوتًا من الخطابات والشعارات  وبإمكانها أن تخلق تفاعلًا يسمح للمظلومين والمضطهدين بنشر رسائلهم، وإيصال صوتهم للرأي العام في عالم أصبح يسوده التضليل والانحياز.

2.يتيح لنا الفن التواصل مع ذواتنا

يتيح لنا الفن التعرف على ذاتنا والعالم من حولنا

لا يساهم الفن في تقديم فهمٍ أعمقَ للعالم من حولنا فقط؛ بل لمشاعرنا الداخلية، ويمنحنا نظرة أكثر قربًا عن ذاتنا ما الذي يهمنا؟ ومالذي نبحث عنه؟ فعندما نتفاعل مع أي عملٍ فني سواءً أكان ضربة فرشاةٍ على قماش، أم كلمات أغنية، أم منحوتةً متقنة كلّها تسمح باستكشاف مساحاتٍ مجهولة داخلنا وتجعلنا على وعي بتفضيلاتنا. فندرك أنفسنا بشكل أفضل من خلال تجارب الآخرين، وقصصهم المقدمة في قالب فني، ونتعرف على أماكن غير مكتشفةٍ من الذات تلهمنا إلى أفكار جديدة ووجهات نظر مختلفة.

3.الفن يضيف السعادة والإبداع إلى الحياة

إن كنت قد اختبرت مشاعر جيّاشةً أثناء استماعك لمقطوعة موسيقية، أو انتابتك الدّهشة والسعادة، وأنت تقف أمام لوحة فنية؛ فأهلًا بك في عالم متذوقي الجمال. فالعمل الفني الرائع يحسّن من جودة الحياة، ويفتح مسالك الإبداع ويعزز القدرة على حل المشكلات. كما أن التّفاعل مع عمل فني مبدع يبعث فينا الاحترام والتقدير للحياة،و يحفّز أدمغتنا ،ويجعلنا نشعر بالسعادة والرضا تماما كما يحدث عندما نقع في الحب لأنه يرفع من مستويات الدوبامين، وهو الناقل العصبي المسؤول عن الشعور بالمتعة.

4.الفن قوّة تغيير اجتماعي

بعيدًا عن مبدأ الفن للفن يركّز الفن بأشكاله المختلفة على قضايا تهمّ المجتمع؛ فيجسد آلام الناس ويحمل طموحاتهم ،ويرفع الصوت مناديًا بأهدافهم في تحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة، وتخليص الإنسان من عبوديته لأخيه الإنسان، ويشكل قوّة ضغط قد تفوق الطرق الأخرى. فالفن إنساني النّزعة هدفه مساعدة الإنسان في كل مكان لا يصوّر الواقع فقط بل يخلقه أحيانًا.

5.الفن شكل من أشكال التعاطف 

يعمل الفن من خلال تكثيف المشاعر الإنسانية، وعرضها في شكلها الأمثل في صورة عمل فني على تعزيز التعاطف. فهو يدعو الجمهور إلى وضع أنفسهم مكان الآخرين ليفهموا مختلف وجهات النظر مما يثري التجربة الإنسانية بعمومها.

6.الأثر الثقافي للفن

ينقل الفن تاريخ الأمم، ومعتقداتها، وقصصها، ومناسباتها الدينية، والاجتماعية، ويؤثّر في الناس وطريقة تفكيرهم. 

كما يحمل التجارب الشخصية والتقاليد وطرق المعيشة واللغة إلى أبعد من اللحظة التاريخيّة التي نشأ فيها مشكلًا هوية هذا المجتمع وطابعه الفريد، ومعاييره الراسخة، و يغدو كل تعبير فني جزءًا من النسيج التاريخي للمجتمع .

يقول الكاتب النمساوي "آرنست فيشر" في كتابه ضرورة الفن:

إن كلّ فنّ هو وليد عصره، وهو يمثل الإنسانية بقدر ما يتلائم مع الأفكار السائدة في وضع تاريخي محدد، ومع مطامح هذا الوضع، ومع حاجاته وآماله.

7.الفن كأداة علاجية

يدرس الكثير من المختصين الأثر النفسي للأعمال الفنية على حياة الإنسان ورفاهيته. حيث يعتبرون إمكانية التعبير عن الأفكار والمشاعر عبر نقلها وتجسيدها من خلال عمل فني طريقة مؤثرة للتشافي، والتحرر من الضغوط عن طريق التعامل مع المشاعر الصعبة وتفريغها.

8.الدور الاقتصادي للفن

إلى جانب أهميته الثقافية تبرز قوة الفن في الناحية الاقتصادية؛ فهو يمارس تأثيرًا كبيرًا في الاقتصاد ويسهم في الإنتاج المحلي من خلال المعارض والعروض، ومن خلال كونه يوفّر الإبداع  الضروري لما يسمى بالصناعات الفنيّة والإبداعية التي ترصد لها ميزانيات ضخمة؛ الأمر الذي أصبح في الوقت ذاته يخلق أيضًا مخاوف حقيقية من تحول الفن إلى سلعة تجارية.

الفن والتكنولوجيا 

غيرت التكنولوجيا من دور الفن، ونقلته إلى حدودَ جديدةٍ من الإبداع مغيّرةً الأشكال التقليدية للفنون لتصبح أكثر إبهارًا بصريًا لاعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي. وأصبح الفنانون يستخدمون أدوات التكنولوجيا الحديثة في إنجاز أعمالهم الفنية مما فتح آفاقًا واسعةً للإبداع الفني.

أزمة الفن المعاصر

 في عصرالعولمة الذي نشهد فيه طغيان القيم المادية، والربح السريع على الإنتاج الفني، اتجه الفن في كثير من مسالكه نحو الابتذال، والانحراف عن الغرض التثقيفي الذي يكرس الهوية، والقيم الإنسانية والأخلاقية إلى فن يبحث عن تغذية بصرية، وسمعية رخيصة كما في المسلسلات والأفلام التي انحدرت بالذوق العام، ودست السم في الدسم؛ فشجعت على العنف والجريمة وصدرت صورة البلطجي والمعتدي على أنه البطل المقدام وروجت لأنماط معيشة لا تناسب عاداتنا وتقاليدنا ناهيك عن الأغاني التي تخاطب الغرائز وتشجع على التفاهة والسطحية.

وكما نرى لا يتوقف الفن عند كونه أداةً جمالية وإبداعية تضفي البهجة والسرور على حياتنا، وتسمح لنا باستكشاف ذاتنا والعالم بل يتعداها ليكون قوّة تغيير سياسي، وأداة تحوّل جذري في المجتمع يتحتم علينا معرفة تأثيرها، وانتقاء الموضوعات الفنية التي تناسب قيمنا ومجتمعنا.