القائمة الرئيسية

الصفحات


 الحبُّ الحقيقيّ و فصاحةُ اللسانِ العربي اجتمعا في فؤادٍ واحدٍ فما كان نتاجهما إلا شعراً فصيحاً خالداً في ذاكرة الناس و كتب التاريخ تتناقله ألسنة الجميع على مر العصور.
إنها قصائد العاشق عنترة بمحبوبته عبلة اسمان لابد أنك سمعت عنهما في أحاديث الحب و الهيام و في قصص العاشقين و المتيمين.

فمن هو عنترة بن شداد الذي جمع بين الشجاعة و القوة و الحب و الشعر !؟
وكيف تمكن من موازنة هذه الصفات المتضادة معاً .؟

- نسبه :

هو عنترة بن شداد العبسي الفتى الأسود من أب عربي و أم حبشية اسمها زبيبة كان قد أعجب بها سيدها شداد و أنجب منها عنترة .

اكتسب عنترة لون بشرته الأسود من أمّه و هذا ما جعل أباه يرفض نسبه إليه كعادة الأعراب إذ أنهم لا ينسبون لهم فتى أُنجب من أَمة إلا إذا ما تفوق على أقرانه ببنيته و شجاعته أو بشِعره.

-شجاعته و افتخاره بنفسه : 

لمع اسم عنترة في المعارك و الحروب و ذاع صيته بقوة ضربته و رباطة جأشه و مدى جرأته و صلابة قلبه ، فلا يخشى سلاحاً ولا يهاب رجلاً ولا يُهزم في نزال قط. و ذلك بالإضافة إلى مهارته في الشعر و ارتجال القصائد ببلاغة .

عَرِفَ عنترة هذا بشدة و تفاخر به بين العرب و نظم له أبياتاً و قصائد، إذ قال في نفسه : 

خُلقت من الحديد أشدّ قلباً

وقد بَلي الحديدُ وما بليتُ


وفي الحرب العوان ولدتُ طفلاً

ومن لبن المعامع قد سقيتُ


وإنّي قد شربت دم الأعادي

بأقحاف الرؤوس وما رويت


-اعتز عنترة بنفسه جداً وكان كل من أراد أن يهجو نفسه استعار أبيات له، مثل :


إِن كُنتَ في عَدَدِ العَبيدِ فَهِمَّتي

فَوقَ الثُرَيّا وَالسِماكِ الأَعزَلِ


أَو أَنكَرَت فُرسانُ عَبسٍ نِسبَتي

فَسِنانُ رُمحي وَالحُسامُ يُقِرُّ لي


وَبِذابِلي وَمُهَنَّدي نِلتُ العُل

لا بِالقَرابَةِ وَالعَديدِ الأَجزَلِ


وَرَمَيتُ مُهري في العَجاجِ فَخاضَهُ

وَالنارُ تَقدَحُ مِن شِفارِ الأَنصُلِ


خاضَ العَجاجَ مُحَجَّلاً حَتّى إِذ

شَهِدَ الوَقيعَةَ عادَ غَيرَ مُحَجَّلِ


-وهو ناظم الأبيات الشهيرة : 


لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ

بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ


ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّم

وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ


-عشقه لعبلة :

-لم يكن لعنترة هدف في دنياه سوى أن يستحق نسب أبيه و يناله وكان هذا الهدف جسراً ليعبر بواسطته إلى قمة أحلامه وهو زواجه من ابنة عمه و معشوقته عبلة

فهذا الجسد الجسور وتلك البنية الجبارة كان بداخلها قلب رقيق يشغف حباً بعبلة وقد تقدم لخطبتها كثيراً لكن رفض أبيه نَسبَه إليه كان حائلاً بينه وبين موافقه عمه مالك على هذا الزواج .

إلا أنه ذات يوم تعرضت قبيلة عبس لهجوم من قبل قبيله طيء و رفض عنترة المشاركة في الدفاع عن القبيلة واضعاً أمر اعتراف أبيه به شرطاً لكي يشارك في القتال فو

افق أباه و منحه ذاك النسب وماكان من عنترة إلا أن وثب كالأسد على رجال قبيلة طيء مردداً : 

أنا الهَجِينُ عَنْتَرَةْ

كلُّ امرئٍ يَحْمِي حِرَه


أَسْوَدَهُ وَأَحْمَرَهْ

والشَّعَرَاتِ المُشْعَرَةْ


الوَارِدَاتِ مِشْفَرَهْ

 قَلَبَ عنترة موازين المعركة كلها لصالح قبيلته.

وقال غزلاً بعبلة وفرحاً في حصوله على نسب أبيه: 

يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى

وأنا المعنى فيكِ من دون الورى


يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي مَعَ دَمي

لمَّا جرت روحي بجسمي قدْ جرَى


وَلقد عَلِقْتُ بذَيلِ مَنْ فَخُرتْ به

عبسٌ وسيفُ أبيهِ أفنى حميرا


يا شأْسُ جرْني منْ غرامٍ قاتلٍ

أبداً أزيدُ به غراماً مسعرا


يا ساشُ لولا أنْ سلطانَ الهوى

ماضي العزيمة ِ ما تملكَ عنترا

و بالرغم من هذا العمل البطولي الشجاع الذي لمع فيه اسم عنترة و استحق بواسطته نسب أبيه ،استمر عمه برفضه واضعا مهراً كبيراً لابنته بغية إبعاده و تعجيزه ، لكن عنترة لم يستسلم و ظل مدافعاً عن حبه حتى آخر رمق موضحاً هذا العشق في كلماته و أبياته التي يقطر منها الهوى، و لعل أبرز ما كتب عنترة في الحب هو معلقته الشهيرة و نذكر منها : 


هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ

أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي

وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها

فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا

بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ

أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ

حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت

عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ

عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها

زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ

وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ

مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ


-تميز هوى عنترة بالعفة و الطهارة و النقاء وهذا ما نراه في قصائده الغزلية ، مثل :

حَرامٌ عَلَيَّ النَومُ يا اِبنَةَ مالِكٍ
وَمن فَرشُهُ جَمرُ الغَضا كَيفَ يَرقُدُ

سَأَندُبُ حَتّى يَعلَمَ الطَيرُ أَنَّني
حَزينٌ وَيَرثي لي الحَمامُ المُغَرِّدُ

وَأَلثِمُ أَرضاً أَنتِ فيها مُقيمَةٌ
لَعَلَّ لَهيبي مِن ثَرى الأَرضِ يَبرُدُ


- أبرز قصائده في الشوق و الفراق : 

المعاناة و الشوق كانا جليين في قصائد عنترة معبراً عن حزنه و توقه للقاء المحبوبة ونذكر أبياتاً بهذا منها : 

أُقاتِلُ أَشواقي بِصَبري تَجَلُّد

وَقَلبِيَ في قَيدِ الغَرامِ مُقَيَّدُ


إِلى اللَهِ أَشكو جَورَ قَومي وَظُلمَهُم

إِذا لَم أَجِد خِلّاً عَلى البُعدِ يَعضُدُ


خَليلَيَّ أَمسى حُبُّ عَبلَةَ قاتِلي

وَبَأسي شَديدٌ وَالحُسامُ مُهَنَّدُ.


و أيضاً: 

 ولقد ذكرْتُكِ والرِّماحُ نواهلٌ 

مني وبيْضُ الهِنْدِ تقْطرُ منْ دمي


فوددتُ تقبيل السيوفِ لأنها

لمعت كبارق ثغركِ المتهم


-نظم أبيات الفراق قائلاً:

وَخَبِّر عَن عُبَيلَةَ أَينَ حَلَّتوَ

ما فَعَلَت بِها أَيدي اللَيالي


فَقَلبي هائِمٌ في كُلِّ أَرضٍ

يُقَبِّلُ إِثرَ أَخفافِ الجِمالِ


وَجِسمي في جِبالِ الرَملِ مَلقىً

خَيالٌ يَرتَجي طَيفَ الخَيالِ


وَفي الوادي عَلى الأَغصانِ طَيرٌ

يَنوحُ وَنَوحُهُ في الجَوِّ عالي


فَقُلتُ لَهُ وَقَد أَبدى نَحيب

دَعِ الشَكوى فَحالُكَ غَيرُ حالي


أَنا دَمعي يَفيضُ وَأَنتَ باكٍ

بِلا دَمعٍ فَذاكَ بُكاءُ سالي


لَحى اللَهُ الفِراقَ وَلا رَعاهُ

فَكَم قَد شَكَّ قَلبي بِالنِبالِ


أُقاتِلُ كُلَّ جَبّارٍ عَنيدٍ

وَيَقتُلني الفِراقُ بِلا قِتالِ


ومن الأبيات التي تفطر القلب تغنى عنترة : 

إِذا رَشَقَت قَلبي سِهامٌ مِنَ الصَدِّ

وَبَدَّلَ قُربي حادِثُ الدَهرِ بِالبُعدِ


لَبَستُ لَها دِرعاً مِنَ الصَبرِ مانِعاً

وَلاقَيتُ جَيشَ الشَوقِ مُنفَرِداً وَحدي


وَبِتُّ بِطَيفٍ مِنكِ يا عَبلَ قانِع

وَلَو باتَ يَسري في الظَلامِ عَلى خَدّي


- ختام قصة عنتر و عبلة: 

-لا يوجد مصادر موثوقة تؤكد النهاية الحقيقة التي آل إليها هذا العشق ، هناك روايات عديدة منها يقول أن عنتر تزوج بعبله وعندما لم يظهر عليها بوادر الحمل قام بخيانتها .ومنها من يقول بأن عنتر لم يتزوج بعبلة و ظل شغوفاً بها .

-لكن عنترة أثبت بجدارة شخصية الفارس المقدام المحب وكيف أن الحب يجعل من أشد الرجال أطفالاً تاركاً لنا قصة عشق لا يمكن أن ينساها الزمان و قصائد من ذهب تصف الهوى بأبهى و أعذب  صوره.

تعليقات

التنقل السريع