الفتن لا بد أن تقع في أمة _محمد صلى الله_ عليه وسلم لامحالة، وقد أعطي الشرع الفتن قدرًا عظيمًا من الاهتمام، ومُلأت دواوين السنة النبوية بالنصوص التي تحذر منها، وذلك نظرًا لقوة تأثير الفتنة على النفوس، وما هي الدنيا إلا فتنة! فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: (لم يبقَ من الدنيا إلا بلاءً وفتنة). لذا لابد أن نتوخى الحذر، بل مضاعفة الحذر من الفتن في وقتنا الحالي. وذلك ما سوف نتعلمه، كيف أحافظ على نفسي من الفتنة؟
تعريف الفتن.
الفتنة لغةً هي (الاختبار والابتلاء)، كما في آيات كثيرة، منها قوله -سبحانه- لنبيه موسى لما عبد بنو إسرائيل العجل: (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ) [طه:85]، أي: اختبرناهم
وجاءت الفتنة ايضًا بمعنى (الاستهواء والغلبة)، قال -عز وجل-: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف:27]، يعني: لا يلهينكم الشيطان ولا يغلبنكم على أنفسكم كما فعل بأبيكم آدم.
ولذلك معنى الفتنة اصطلاحًا، هي الشدائد التي يكتبها الله تعالى على عباده، على وجه الحكمة ابتلاءً وامتحانًا.
أنواع الفتن.
النوع الأول:
فتنة الشبهات؛ وهي أخطر أنواع الفتن لأنها تشكل ضررًا كبيرًا على الإنسان وتخل بعقيدته. ولأنها مرض يجعل العقول والقلوب تنصرف عن العقيدة والحق، فقد توقع الفتن بالمرء في دائرة الشك في الدين، مما تفقده عقيدته بالكليه، فلذلك حذر منها الله سبحانه وتعالى، وأخبر أنها سبب الفرقه في الدين والنزاع بين الأمة بأكملها. وأيضًا حذرنا رسوله صلى الله عليه وسلم من بعده من سماع الشبهات وتتبعها أو الجلوس مع الخائضين فيها. وذلك لاتخاذ الوسائل الوقائية من الوقوع في الشبهات.
قال الله عز وجل في وصف أهل الزيغ الذين يتبعون الشبهات ويفتنون بها، ووصف أهل العلم والإيمان الرافضين لها: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ *رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:7-8].
النوع الثاني:
وهي فتنة الشهوات؛
ومِن الشهوات في وقتنا الحاضر؛ سماع الأغاني، ومشاهدة المسلسلات والأفلام، وضياع اوقاتنا في ما يغضب الله عز وجل وغيرها الكثير، فماذا ينفعنا ذلك كله؟! فقد جعل الله - تعالى - هذه الشهواتِ ابتلاءً وامتحانًا، لكي نصبر عليها لا لنغرق فيها أكثر فأكثر ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾ [الأنعام: 165]، ويَرجع سببُ الوقوع في الشهوات المحرَّمة والإسراف فيها إلى اتِّباع الهوى، والغفلة عن الطاعة، ورفقة السُّوء، والاستهتار بما يفعل مِن معاصٍ، قال الله - تعالى - : ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59].
وفعل المعصية لذة لا تدوم طويلًا، إنما هي لحظات، ولا يبقي إلّا شعور الندامة والحسرة..
كيف تحافظ على نفسك من الفتن؟!
- التوبة الي الله من الذنوب والمعاصي التي تقع فيها؛ لا تترك ذنبًا تقع فيه إلا وتتوب منه مرارًا ولا تيأس، حتى يعافيك الله من شره.
- تحصين النفس بالعلم الشرعي، والتفقّه في الدين؛ ليكون المؤمن على علم بالفتن المحيطة به وعلى استعدادٍ لمواجهتها، وليتنبّه منها، ولأن من يتفقه في دينه يقي نفسه من أبواب مهلكة كثيرة.
- الدعاء بالحماية من شرور الفتن سبب من أسباب النجاة منها، حيث كان الصحابة رضوان الله عليهم يستعيذون من الفتن. ففي دعاء عمر رضي الله عنه : " نعوذ بالله من شر الفتن"، وعن أنس رضي الله عنه قال: " عائذاً بالله من شر الفتن".فبالدعاء يحميك الله ويعينك على عدم الوقوع فيها.
- التزود بالأعمال الصالحة للوقاية من الفتنة ؛ فبالإكثار من الأعمال الصالحة، كالعبادات، والذكر، والاستغفار، والصدقة، والتقرب إلى الله تعالى، كل ذلك يجلب لك التوفيق من الله، وينجيك من الوقوع في شباك الفتنة.
- المداومة على قراءة القرآن الكريم وتدبّره؛ لأنّ فيه تزكيهً وتطهيرًا للنفوس و حياةً وشفاءً للقلوب، والتعلّق بالله تعالى، ينجي من الوقوع في الشبهات والمهالك الدنيوية.
- حفظ اللسان، وتجنّب الحديث والخوض في موضوع يجلب لك الوقوع في الذنوب والمعاصي، والاهتمام فقط باتباع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- ورغم كل هذه الأسباب التي تحفظ بها نفسك وغيرها، لابد أن يبقى القلب معلقاً بالله وحده، وحقاً: "إن السعيد لمن جُنّب الفتن" فخذ بالأسباب وتجنب الفتن، وكن على يقينًا بأنك إن لازمت طريق الله فلن تضيع أبدًا، فاستعن بالله.
(والسلامٌ خِتام).
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا بتعليقاتك